Home Page Home Page Home Page Home Page Home Page Home Page Home Page Home Page Home Page Home Page
البحث
  كل الكلمات
  العبارة كما هي
مجال البحث
بحث في القصائد
بحث في شروح الأبيات


القصائد
قائمة القصائد
قصائد مسجلة صوتياً
قصائد مختارة
معلومات مرجعية
نبذة عن المتنبي
مقالات عن المتنبي
قائمة كتب الشروح
مواقعنا
واحة المتنبي
واحة المعلّقات
المسالك
الورّاق
تأويل رؤياك
مجلة الرحلة

مقالات عن المتنبي
المتنبي وحجر حفنة
2010-03-16


في أحد تطوافات مديرية الآثار العراقية في عام 1955 على مشارف وادي الإبيض وشفاثا وفي المساحة التي تتوّزعها (بحيرة الرزازة وبحر الملح وحصن الأخيضر وكهوف الطار وعين التمر ومنارة موجدة وخان العطشان) عثر الباحث عز الدين الصندوق على حجر كبير اشتمل على مجموعة من التدوينات التي صار لأحدها شهرة كبيرة في مجال بنية الخطوط العربية الشمالية المبكرة، وتحديدا في عصر صدر الإسلام والخلافة الراشدة، وكتابة الحجر مرقومة بالخط الكوفي ومؤرخة في عام 64 هـ وهي برأي البعض خالية من الإعجام والنقط، بيد أن فريقا آخر وجد أن هناك ثلاثة حروف معجمة في هذا النقش بالفعل وهي: الباء والياء والثاء في السطرين الثاني والثالث. ويقع على مسافة يسيرة من قصر الأخيضر .

ولكن المفاجأة الأخرى لم يأخذها المؤرخون بذات الجدية لأنها ليست من الخطوط المبكرة، رغم أن اتفاقا على قراءة النصّ وتحديد زمنه والرجل الذي يقف خلفه.

تعود الكتابة إلى عام 356هـ ، أما الرجل الذي دوّنها على هذا الحجر الذي يقع في طريق القوافل التي تربط باديتي السماوة بالشام والجزيرة الفراتية فهو باتفاق كبير بين الباحث الذي عثر في تطوافه على الحجر وبين اللغوي الكبير الراحل الدكتور مصطفى جواد رحمه الله، ونصها (حضر ضبة بن محمد بن يزيد الأسدي العيني سنة ست وخمسين وثلاثمائة وله إذ ذاك ثلاثين سنة وكتب بخطه). والعيني نسبة إلى مدينة عين التمر غربي الكوفة وكربلاء.

لا ريب من أن اسم ضبة بن يزيد يقودنا إلى موقف تناقله شراح أبي الطيب المتنبي من واحدة من قصائده الهجائية التي عمد فيها إلى التصريح لا التعريض ويعدها العض من سقطات المتنبي.

ولكن يبدو أن للأمر علاقة بنهاية معجز أحمد وحياته، فلقد توصّلنا بروايات كثيرة تفيد إلى أن قاتل المتنبي لم يكن سوى خال ضبة الذي آلمه أن يتعرّض أحدهم لأخته تصريحا كما فعل أبو الطيب، مما دفعه إلى تعقّب أخباره وترصّده حتى ثقفه في دير العاقول قريبا من واسط وقتله.

ولكن ما قصة ذلك الحجر ورجله.

ضبة بن يزيد الأسدي العيني كان ممن عُرف عنه قطع الطريق ونهب وسلب القرى والمسافرين على حد سواء بل وصل به الأمر إلى نهب الحائر الحسيني بكربلاء، ولقد تردد ذكره في كتابات مؤرخي القرن الرابع وهو ذات القرن الذي شهد المتنبي وضبة، كما هو الشأن مع ابن مسكويه في كتابه (تجارب الأمم) الذي أشار فيه إلى ضبة العيني في حوادث سنة (363 هـ) وكان ذلك بعد ثماني سنين على كتابة حجر حفة الأبيض في إشارته إلى أن عز الدولة بختيار ابن معز الدولة البويهي ملك العراق، رغب بشدة في إخماد ثورة القائد التركي الفتكين واعتصامه ببغداد مما دفعه إلى مخاطبة ضبة بن محمد الأسدي العيني بضرورة شنّ الغارات على أطراف بغداد ومنع جلب الميرة إليها. وأردت في تعريف الرجل (وضبة رجل من أهل عين التمر كثير العشائر وقد جرت عادته بالتبسّط ... ففعل ووجد الطريق إلى بغيته فنهب السواد وقطع السبل).

وذكر ابن الأثير في حوادث سنة (364 هـ) : ووصل الفتكين إلى بغداد فحصل محصورا من جميع جهاته وذلك أن بختيار كتب إلى ضبة بن محمد الأسدي وهو من أهل عين التمر وهو الذي هجاه المتنبي فأمره بالإغارة على أطراف بغداد وبقطع الميرة عنها.

وفي هذه النصوص تأكيد على أن الرجل لم يكن فساده محصورا في رقعة صغيرة بل امتد حتى بلغ أطراف بغداد وجمعته مكاتبات مع رجالات الدولة في شأن خصومهم ومن جانب آخر هناك تأكيد على أنه هو ذاته الذي هجاه المتنبي في قصيدته المعروفة مما يرفع اللبس عن القصيدة ونسبتها إلى أبي الطيب كما ونسبة نص حجر حفنة إليه، فلقد كان الحجر من الأمكنة الذي كان يلوذ بها كلما تهدده الخطر. أما الخطر فكان من قبل عضد الدولة حيث أرسل فرقة من جنده بعد أن عمد إلى تخريب مشهد الإمام الحسين بن علي في كربلاء، فهرب إلى البادية، فبوسعنا الرجوع إلى حوادث سنة 369 هـ في تجارب ابن مسكوية حيث ورد: ( ووفي هذه السنة نفذ عسكر إلى عين التمر في طلب ضبة بن محمد الأسدي... فإنه ممن يسلك سبيل الدعارة ويسفك الدماء ويخيف السبل وينهب القرى ويبيح الأموال والفروج وانتهك حرمة المشهد بالحائر فلما أطلّ عليه العسكر هرب بحشاشته إلى البادية وأسلم أهله وحرمه فحصل أكثرهم في الأسر وملكت عين التمر).

ويذكر ابن الجوزي أن تحصنه في عين التمر دام لنحو ثلاثين سنة وهو قول لا يسلم من المبالغة إذ يلزم أن يكون عمره اثني عشرة سنة ابتداء عصيانه إذا سلمنا أن عمره كان سنة 356 هـ ثلاثين سنة كما حجر حفنة، كما ذهب إلى ذلك المحقق مصطفى جواد.

ويبدو أنه كان يلوذ بملاجيء كثيرة في البادية ومنها حصن الأخيضر الذي يقع على مقربة من عين التمر وحجر حفنة بحسب ذات المحقق، وكذلك بحسب الطبيعة الجغرافية للمكان ووصفه من خلال ما وصلنا من مدونات تذكر الحادثة التي انتهت بالمتنبي إلى هجائه.

فلقد ورد في التوطئة التي سبقت القصيدة ما نصّ: كان قوم من أهل العراق قتلوا يزيد الضبي ونكحوا امرأته، ونشأ له منها ولد بالعين يسمى ضبة، يغدر بكل أحد نزل به أو أكل معه أو شرب. واجتاز أبو الطيب بالطف، فنزل بأصدقاء له. وسارت خيلهم إلى هذا العبد واستركبوه، فلزمه المسير معهم. فدخل هذا العبد الحصن وامتنع به، وأقاموا عليه، وهو يشتمهم أقبح شتم، ويسمي أبا الطيب باسمه. وأراد القوم أن يجيبوه بمثل ألفاظه القبيحة وسألوه ذلك فتكلف لهم على مشقة. وعلم أنه لو سبه لهم معترضاً لم يفهم ولم يعمل فيه عمل التصريح، فخاطبه على ألسنتهم من حيث هو، فقال أبو الطيب هذه القصيدة في جمادى الآخرة سنة ثلاث وخمسين وثلاثمائة.

وورد ذات الخبر في نسخة خطية بدار الكتب الوطنية بباريس ذكرها الدكتور مصطفى جواد وأرقامها(3091 الورقة 195 السطر السادس): .... وسار أصدقاء أبي الطيب لمحاربة هذا العبد وسألوا أبا الطيب المسير فأجاب إلى ذلك فلما نزلوا به تحت حصن هو فيه جعل يشتمهم أقبح شتيمة ويسب أبا الطيب، فسألوا أبا الطيب أن يهجوه، فعلم أنه إنْ سبه معرّضا لم يفهم، فقال أبو الطيب: ما أنصف القوم ضبة.

وورد في نسخة ثالثة محفوظة بدار الكتب الوطنية بباريس وأرقامها(3095 الورقة 132): وقال يهجو ضبة بن يزيد العيني الكوفي ويصرّح بشتمه لأنه لا عقل له يعرف به التعريض.

أما ما يؤيد من أن الحصن الذي التجأ إليه ضبة وأخذ يسمّي المتنبي باسمه ويشتمه تصريحا هو حصن الأخيضر ذاته هو أن من المسلم به الآن أن الحصن كان قائما ومعروفا على نحو كبير وواسع منذ عام 157 هـ على الأقل نتيجة للعثور على مسكوكات يتراوح ضربها بين سنتي 157 هـ و 162 هـ ، ولعلّ اكتشاف فلس نحاسيّ ضُرب بمدينة السلام في سنة 157 هـ يجعل الأمر يميل إلى اليقين لعلمنا أن المسكوكات النحاسية لا يمكن لها أن تبقى متداولة أمدا طويلا بسبب تلفها السريع وعدم رغبة الناس في اكتنازها وادخارها لرخص معدنها، كما أنه كان من الشهرة بحيث اهتم به الملوك ولجأ إليه الأمراء والرؤساء للتحصن كما في خبر الخارجيين الذين استوطنوا الحصن منذ القرن الخامس الهجري وهناك إشارات عديدة إلى هذا الامر تحفل بها كتب المؤرخين والبلدانيين كسبط بن الجوزي والقلقشندي وآخرين، بل وهناك نصّ كتابيّ بخطّ النسخ قوامه سبعة أسطر وجد في جدران حصن الأخيضر الداخلية كتبه أحد أعيان خفاجة أثناء مكوثهم فيه.

وبالعودة إلى توطئة القصيدة نجد أن أبا الطيب كتبها قبل مقتله بنحو عام واحد حيث نزل عند رغبة أصدقاء له وقصدوا الطف وهي كربلاء لمحاربة ضبة كما ذكر في الخبر. وهنا تأكيد على أنه وصل كربلاء ودخل باديتها لملاحقة ضبة الذي كان في تلك الفترة ملتجئا في الحصن، وهنا نجد أن الخبر يمنحنا توسعة لأطلس الأمكنة التي تردد عليها المتنبي.


صلاح الحيثاني

خريطة الموقع
واحة المتنبي التراث العالمي فكر و أدب المكتبة السمعية البصرية المكتبة التراثية مواقعنا
 
جميع الحقوق محفوظة © 2006-2014 - القرية الألكترونية في أبو ظبي www.evuae.com