ابن الجصاص يُكبَس!
المكان :
بغداد
تاريخ النشر
:
2024-10-22
تاريخ الحكاية :
963 ميلادية
قال ابن الجصاص: كنت يوم قبض عليّ المقتدر جالساً في داري، و أنا ضيق الصدر، و كانت عادتي إذا حصل مثل ذلك، أن أخرج جواهر كانت عندي في درج معدة لمثل هذا، من ياقوت أحمر، و أصفر، و أزرق، و حب كبار، و در فاخر، ما قيمته خمسون ألف دينار، وأضعه في صينية وألعب به حتى يزول قبضي. فاستدعيت بذلك الدرج، فأتي به بلا صينية، فأفرغته من حجري، و جلست في يستان داري في يوم بارد طيب الشمس، و هو مزهر بصنوف الشقائق و المنثور. وبينا أنا ألعب بذلك إذ دخل الناس بالزعقات و المكروه، فلما رأيتهم دهشت ونفضت جميع ما كان في حجري من الجوهر، بين ذلك الزهر في البستان، فلم يروه. و أخِذتُ، و حمِلتُ، و بقيت مدة في المصادرة و الحبس، وتقلبت الفصول على البستان، وجف ما فيه، ولم يفكر أحد فيه. فلما فرّج الله عني وجئت إلى داري و رأيت المكان الذي كنت فيه ذكرت الجوهر، فقلت: ترى بقي منه شيء؟. ثم قلت: هيهات، وأمسكت. ثم قمت و معي غلام ينثر البستان بين يدي، وأنا أفتش ما ينثره وآخذ الواحدة بعد الواحدة، إلى أن وجدت الجميع، و لم أفقد منه شيئاً. ومن حسن طالعي أنني كنت في الحبس يائساً من الفرج، فجائني خادم فقال البشرى، قلت وما الخبر، قال قم، أطلقك، فقمت معه، فاجتاز بي في بعض دور الخليفة، يريد إخراجي من دار السيدة لتكون هي التي تطلقني، لأنها شفعت فيّ، فوقعت عيني على أعدال خيش أعرفها، وما مبلغها مائة عدل، فقلت أليس هذا من الخيش الذي حمل من داري، قال: بلى، فتأملته فإذا هو مائة عدل، و كانت هذه الأعدال، قد حملت إلي من مصر، في كل عِدل منها ألف دينار، و كانت هناك، فخافوا عليها فجعلوها في أعدال الخيش، فوصلت سالمة. ولاستغنائي عن المال لم أخرجه من الأعدال، و تركته في بيت من داري و قفلت عليه و نقل كل ما في داري، فكان آخر ما نقل منها الخيش، ولم يعرف أحد ما فيه، فلما رأيته طمعت في خلاصه. فلما كان بعد أيام من خروجي، راسلت السيدة و شكوت حالي إليها، و سألتها أن تدفع إلي ذلك الخيش لا نتفع بثمنه، إذ كان لا قدر له عندهم، و لا حاجة بهم إليه، فوعدتني بخطاب المقتدر في ذلك. فلما كان بعد أيام، أذكرتها، فقالت: قد أمر بتسليمه إليك. فسلم إلي بأسره، ففتحته، فأخذت منه المائة ألف دينار ما ضاع منها شيء، وبعت من الخيش ما أردت بعد أن أخذت منه قدر الحاجة. ابن الجصاص يُكبَس!
هزال بن هزام
|
05:04 2012/2/15
|
اشكركم على المحافظة على التراث العربي الاصيل والى المزيد
|
|